الأحد، 9 نوفمبر 2008

الإنشاء (الاستفهام)

خامسا: الاستفهام .
الاستفهام : هو طلب الاستخبار عن المجهول ،كقول الرجل الذي جاء للنبي عليه الصلاة والسلام : ( متى تقوم الساعه ) ؟ فهو يجهل موعد قيام الساعه ويطلب ويستخبر عن هذا المجهول0
-أدوات الاستفهام :
للاستفهام أدوات عشرة ، حرفان وهما : الهمزة وهل ، والباقي أسماء هي:( من وما وكم وكيف وأين وأنى ومتى وأي).
والحديث عن الاستفهام وأدواته، وخروج معانيه عن حقيقة الاستفهام طويل ومتشعب،
لذا سنقتصر هنا على الوقوف على بعض خصائص الاستفهام بـ ( الهمزة وهل )0
· همزة الاستفهام :
الهمزه لها خصائص وأحكام لابد من مراعاتها في الكلام ومن أهمها ما يأتي :-
1 – أنها تأتي للتصور والتصديق ، والمقصود بالتصديق أن يكون السؤال عن الحكم وأن يكون الجواب بـ(نعم) أو(لا) كقولنا : أصليت في المسجد ؟ فتجيب: نعم ، أو لا.
أما التصور فهو السؤال عن المفرد ويكون الجواب بالتعيين كقولنا : أأخوك مسافر أم أبوك ؟ فيكون الجواب بالتعيين ، فتقول: أخي أو أبي .
2 - أن الهمزة يليها المسئول عنه والمشكوك فيه 0
فإذا قلنا : أسعيد حاضر أم زيد ؟ وقلنا : أفي البيت محمد أم في الكلية ؟ وقلنا : أيكتب محمد أم يقرأ ؟ فيظهر من هذه الأمثله أن المسئول عنه في الأول هو الفاعل (الاسم ) ، وفي الثاني: السؤال عن المكان، وفي الثالث المسئول عنه الفعل .
3 – الحكم الثالث : أنه يجب أن يكون مابعد أم المعادِلَة موافقاً لما بعد الهمزة من حيث الاسمية والفعلية والحرفية ؛ فإذا قلت : أيكتب أخوك رسالة أم أبوك؟ كان كلامك غير صحيح، والصحيح أن تقول : أم يقرأ ، وإذا قلت: أفي البيت أبوك، فلابد أن تضع الحرف (في) بعد (أم) فتقول: أم في العمل، وهكذا .

تطبيـقات
قال تعالى:(( أأنتم أشد خلقاً أم السماء بناها )) ، فلم يقل سبحانه: (أأنتم أشد خلقاً أم أضعف) ؛ لأن السؤال عن (الفاعل) فالمراد تعيين أي المذكورين أكبر خلقاً ، وليس المراد السؤال عن الفعل، وهذا يوجب ذكر الشيئين متعادلين، وهما هنا الاسمان: (أنتم) و(السماء) 0
- (( أفرأيتم ماتحرثون * أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون ))
فجاء بعد الهمزة بالفاعل المعنوي(أأنتم) لأن السؤال عنه ، وجاء بعد (أم) بما يوافقه وهو الضمير(نحن) ، لأن الفعل وهو الزراعة حاصلة لكن السؤال عن الزارع مَنْ هو ؟
- قال تعالى : (( قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم )) .
لماذا جاء بعد همزة الاستفهام فعل الرغبة ( راغب ) بينما جاء الفاعل ( أنت ) بعد الهمزة في قوله تعالى : (( أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم )) .
جواب ذلك : أن قوله تعالى : ( أراغب أنت) قُدم فيه فعل الرغبة على الفاعل(أنت) ، لأن الاستفهام الإنكاري هنا كان عن الفعل (الرغبة) لا عن الفاعل من هو ؟ لأن هذا الكلام كان من آزر إلى ولده إبراهيم عليه السلام ، وهو يعلم أن الذي يمكن أن يرغب عن آلهته ويزهد فيها هو ابنه لعدم وجود أحد غيره في هذا المجال، لذا لا مجال للسؤال عن الفاعل بأن يقال : أأنت راغب ، بل المجهول عند والده أو المشكوك فيه، أو المستنكر عنده هو الفعل وهو(الرغبة عن الآلهة)، لذا قُدم.
أما في تحطيم الأصنام فقدكان الفعل موجوداً وهو التحطيم والتكسير، شهده الجميع ورأوه، فكان سؤالهم عن الفاعل من هو؟ لذا قدموه بعد الهمزة فقالوا : (أأنت فعلت هذا يا إبراهيم) ؟ .
قال تعالى : (( الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ،ويتفكرون في خلق السموات والأرض )) آل عمران(191) .

وفي السنه قال عليه الصلاة والسلام مستفهما لما أخبر من قبل ورقة ابن نوفل بأن قومه سيخرجونه قال: ( أو مخرجيّ هم ) ولم يقل أهم مخرجي ، هذا استفهام تعجبي إنكاري، وإنما ولي الهمزة الفعل ( الإخراج ) لكون اسم الفاعل يقوم مقام الفعل؛ لأن المسئول عنه والمستنكَر هو قضية الإخراج نفسها لانوعية المخرجين من هم، وإلا لقيل أهم مخرجي؟ ولا يكون هذا الأخير إلا إذا كانت قضية الإخراج أمرا محتوما معلوما والإنكار أن يقع ذلك من قومه، ولكن الواقع أنه r استغرب مبدأ الإخراج من أصله، لأن مكان الإخراج المشار إليه هو حرم الله وجوار بيته وبلدة الآباء من عهد إسماعيل عليه السلام ، قال السهيلي: يؤخذ منه شدة مفارقة الوطن على النفس فإنه صلى الله عليه وسلم سمع قول ورقة أنهم يؤذونه ويكذبونه فلم يظهر منه انزعاج لذلك، فلما ذكر له الإخراج تحركت نفسه لذلك لحب الوطن وإلفه، فقال: أو مخرجي هم؟ قال: ويؤيد ذلك إدخال الواو بعد ألف الاستفهام مع اختصاص الإخراج بالسؤال عنه فأشعر بأن الاستفهام على سبيل الإنكار أو التفجع .
خصائص ( هل ):
تحدثنا من قبل عن (الهمزة) وأهم أحكامها، وهنا نجمل أهم أحكام (هل).
1 – أنها تأتي للتصديق(الحكم) فقط، وهذا يعني أنه لا ذكر لـ(أم) المعادلة معها ، ولا المعادل بعدها، فلا يصح أن نقول: هل حضر محمد أم ذهب ؟ وصحة هذا أن نقول: أحضر محمد أم ذهب ؟ لكن لو وجد في الكلام البليغ (أم) بعد (هل) فنعلم أن (أم) هنا هي المنقطعة التي تدل على الإضراب بمعنى (بل) وليست أم المعادلة، كقول قتيلة بنت الحارث ترثي أخاها النضر (
[1]) :
( هل يسمَعَنَّ النضرُ إن ناديتُه ... أم كيف يسمعُ هالكٌ لا يَنطِقُ )
فمقصودها: بقولها : أم كيف؟ أي :(بل) كيف يسمع هالك لاينطق؟، وقد جاءت رواية للبيت: إن كان يسمع.
وقد قيل إن النبي r قال: لو سمعت هذا قبل أن أقتله ما قتلته، لهذا يقال: إن شعرها أكرم شعر موتورة وأعفه وأكفه وأحلمه.
2- أن ( هل ) الأكثر فيها أن تدخل على الجملة الفعلية لا على الاسمية مثل: (( هل أتى على الإنسان حينٌ من الدهر )) ؛ (( هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب إليم ))
ومع هذا نجد (هل) في القرآن الكريم داخلة على الجملة الاسمية وذلك لغرض بلاغي مثل قوله تعالى: ((فهل أنتم شاكرون)) ؛ ((فهل أنتم منتهون)) ، ولم يكن : هل تشكرون؟هل تنتهون؟ ، وذلك أنه لما أريد بيان أن الشكر دائم جيء بالجملة الاسمية ، خصوصاً أن الكلام جاء بعد نعمة عظيمة تظهر في قوله تعالى: ((وعلمناه صنعة لبوس لكم * لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون ))، أي : فهل تقرر شكركم وثبت، لأن تقرر الشكر هو الشأن في مقابلة هذه النعمة، نظير قوله تعالى ( فهل أنتم منتهون ) في آية تحريم الخمر ، المراد منها الاستمرارية على الانتهاء عن الخمر، فجيء بالجملة الاسمية الدالة على ذلك ؛ لأنه لا يحسن أن ينتهي الإنسان شهراً ثم يعود، ولو كان المراد هو الشكر المؤقت لقيل : فهل تشكرون ؟ أو الانتهاء المؤقت لقيل : فهل تنتهون ؟
________________________

([1]) من ذلك قولها:
( يا راكباً إنّ الأُثَيْلَ مِظَنَّــةٌ ... مِن صُبْحِ خامسةٍ وأنتَ مُوفَّقُ )
( أبلِغْ به مَيْتاً بـأنّ تحيّــةً ... مـا إن تزالُ بها النجائبُ تخْفُقُ )
(مِنِّي إليكَ وعَبْرةً مسفوحـةً ... جادتْ بِـدرَّتها وأخرى تَخْنَقُ )
( هل يسمَعَنَّ النضرُ إن ناديتُه ... أم كيف يسمعُ هالكٌ لا يَنطِقُ )
( ظَلّتْ سيوفُ بني أبيهِ تنوشُه ... للهِ أرحـامٌ هنـاكَ تُشَـقَّقُ )
( صبراً يُقادُ إلى المنيّة متُعَـباً ... رَسْـفَ المقيَّدِ وهو عانٍ مُوثَقُ)
( أمُحمدٌ ولأنتَ نَسْلُ نَجِيبةٍ ... في قومها والفحلُ فَحلٌ مُعْرِقُ )
( ماكان ضرّكَ لو مَنَنْتَ وربّما ... مَنَّ الفتى وهو المَغيظُ المُحْنَقُ )
( أوْ كُنـتَ قابلَ فديةٍ فَليأْتِينْ ... بأعـزِّ ما يَغْلو لديكَ ويَنفُقُ )
( والنضرُ أقربُ مَنْ أخذتَ بِزَلّةٍ ... وأحقُّهم إن كان عِتقٌ يُعْتَقُ )