الاثنين، 13 أكتوبر 2008

المجاز اللغوي (المجاز المرسل) وتطبيقات

المجاز المرسل
وهو نقل الكلمة من معناها الأصلي إلى معنى جديد لعلاقة غير المشابهة ، ومعنى قولنا مرسل أي أنه غير مقيد بعلاقة معينة بل هو مطلق العلاقات متعددها بينما الاستعارة لها علاقة واحدة وهي المشابهة .
ولابد في المجاز المرسل كغيره من أنواع المجاز من قرينة تمنع من إرادة المعنى الأصلي وهذه القرينة قد تكون مقالية ( أي موجودة في الكلام ) أو حالية (أي دلالة الحال الذي فيه الكلام ) وقد تكون عقلية فلو قلنا مثلاً : (رعينا الغيث ) لوجدنا أن كلمة الغيث قد استعملت في معنى العشب والكلأ بقرينه (رعينا) لأن الغيث لا يرعى وإنما يرعى العشب وهي قرينة مقالية والعلاقة بين الغيث والعشب أن الغيث هو سبب العشب فالعلاقة هنا سببية وإنما يعبر بالسبب عن المسبب للتدليل على التأثير العظيم للسبب في المسبب .
أنواع العلاقات في المجاز المرسل :
1- السببية : مثل رعينا الغيث .
2- الجزئية : وذلك عندما يعبر بالجزء والمراد الكل كقوله تعالى ( فتحرير رقبة )، وقوله تعالى ( فك رقبة)، وكذلك قولهم: أرسل القائد عيونه، والمراد جواسيسه ففي كل ذلك جاء التعبير بالجزء وأريد الكل فالعلاقة جزئية .
3- الكلية : وذلك عندما يعبر بالكل والمراد الجزء كقوله تعالى ( يجعلون أصابعهم في آذانهم ) والمعلوم أن الإصبع لا يمكن أن يجعل بكامله في الأذن ولكن الذي يجعل في الأذن هو الأنملة ولكنه أراد بيان حال المنافقين الذين أخافتهم أصوات الرعد وكان لا بد من إظهار شدة الخوف من ذلك الصوت فلم يكن التعبير (يجعلون أناملهم ) لأنهم في موقف خوف وذعر ومثل ذلك قول القائل شربت ماء الفرات أي بعضه.
4- المحلية : وذلك بأن يكون اللفظ المستعمل محلا والمعنى المراد ما حل فيه مثل قوله تعالى (فليدعو ناديه) والنادي هو مكان اجتماع القوم وهو لا يدعى وإنما يدعى أهله لكن عبر بالمكان عمن حل فيه للتدليل على كثرة من حل فيه حتى كأنك تدعي أن الكل مراد: الأشخاص والمباني، ومثل هذا قولنا (خرجت الكلية في نزهة برية ) فالكلية لم تخرج لكن خرج طلابها وإنما يسلك هذا الطريق للتدليل على كثرة الخارجين حتى كأن الكلية أصبحت دونهم عدم.
5- اعتبار ما سيكون: وهو أن يسمى الشيء باسم ما سوف يصير إليه في المستقبل كقوله تعالى (إني أراني أعصر خمراً ) فكلمة (خمرا) مقصود منها هنا ( العنب) لأن الذي يعصر هو العنب لا الخمر وعبر بالخمر دونه باعتبار ماسيكون لأن العنب إذا عصر سيكون خمرا.
6- اعتبار ماكان: وذلك بأن يسمي الشيء المستعمل باسم ما كان عليه من قبل كقوله تعالى (وآتوا اليتامى أموالهم) حيث سمى البالغين الذين أنس منهم الرشد ( يتامى) ومعلوم أن اليتيم لا يعطى المال إلا إذا بلغ وزال عنه اسم اليتم، وسر ذلك هو التذكير بحالهم فإن الوصي ربما إذا رأى اليتيم قد بلغ واشتد عوده جحد بعض ماله بحجة ان اليتم زال عنه، فذكره الله عند دفع المال بالحالة الموجبة للعطف والشفقة وهي اليتم.
ولمعرفة نوع العلاقة في المجاز المرسل ينظر في اللفظ المستعمل فإذا كان الجزء فهي جزئية وإن كان الكل فهي الكلية وهكذا.

من بلاغة الاستعارة في القرآن الكريم
قال تعالى( ولأصلبنكم في جذوع النخل ) فهنا استعمل حرف الجر وهو للظرفية مكان الحرف (على) وهو للاستعلاء لأنه من المقرر أن فرعون صلبهم على الجذوع لا فيها لكن لما أريد بيان كثرة المصلوبين وكثرة الجذوع التي صلبوا عليها فهي بعمومها تحيط بهم وهم في وسطها جاء التعبير بالظرفية ( في ) وأيضاً ففيها دلالة على شدة العذاب حيث إنه ـ كما يصور الحرف المذكور ـ قد صلبهم مقطوعي في الأطراف على الجذوع حتى كأنه الناظر إليهم لا يميزهم من الجذوع وبهذا يكون الجذع كأنه قد أحاط بهم فكأنهم فيه لا عليه.
قال تعالى ( وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ) فكلمة ( يموج ) استعارة لأن الذي يموج هو الماء لا الإنسان لكن اختير طريقة الاستعارة هنا بدلا من الحقيقة بأن يقال: يدخل بعضهم في بعض لما لهذه الكلمة من دلالة في تصوير العدد الهائل من البشر في موقف الزحام فلا ترى العين إلا ما تراه في البحر الزاخر من حركة وتموج واضطراب.
قال تعالى ( وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون ) فكلمة نسلخ استعارة والمقصود (نزيل) وهي تصور للعين انحسار الضوء عن الكون قليلا قليلا وتصور دبيب الظلام إليه في بطء حتى إذا تراجع الضوء ظهر ما كان مختفياً من ظلمة الليل والكون كما يقرر علماء الفلك يغرق في ظلام هائل.

المجاز المرسل في الحديث النبوي:
قال صلى الله عليه وسلم:(اليد العليا خير من اليد السفلى) المقصود هنا أن المعطي خير من الآخذ ولكن عبر باليد عن كل منهما لأنها أظهر الجوارح في الإعطاء والأخذ ونسبت إليها الخيرية من باب التعبير بالجزء عن الكل فالعلاقة هنا جزئية ولم يقل هنا المعطي أفضل من الآخذ لما في المجاز المذكور في النص من تصوير يد أحدهما فوق والأخرى تحت وبهذا يظهر التفضيل.
وقال صلى الله عليه وسلم وهو يعد لغزوة تبوك ( من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له ) ففي كلمة ظهر في الموضعين مجاز مرسل (علاقته الجزئية ) لأن المقصود الدابة، وقد عبر هنا بجزء من أجزائها وفي ذلك إيماء إلى أن هذا الجزء هو الأهم.
وقال صلى الله عليه وسلم ( إن من أكبر الكبائر أن يسب الرجل والديه ...) فمعلوم أنه ليس المقصود أن الرجل يسب أباه وأمه مباشرة بل هو متسبب في ذلك فالسب لهما في الحقيقة وقع من غيره ، لهذا فالعلاقة في هذا المجاز المرسل السببية .