الاثنين، 13 أكتوبر 2008

البديع (المحسنات اللفظية)

ثالثا: فن البديع
البديع : هو الفن الثالث من فنون البلاغة ، وهو الذي يعرف به طرق تزيين الكلام بعد مطابقته لمقتضى الحال .
يقول صاحب كتاب (من بلاغة القرآن):
"ليس البديع في يد الفنان حلية تقتسر، ولا زينة يستغنى الكلام عنها، ولا زخرفة يأتي دورها، بعد أن يكون المعنى قد استوفى تمامه.ولا يجئ مكانه في المرتبة الثالثة، بعد استيفاء علمى المعاني والبيان حقهما، فإن الإنتاج الأدبي يبرز إلى الوجود في نظمه الخاص، وبه الصور البيانية ، والمحسنات البديعية دفعة واحدة، فكأنما هذا المحسن البديعى جاء في مكانه ليقوم بنصيبه من أداء المعنى أولا، أما ماجاء فيه من جمال لفظي فقد جاء من أن تلك الكلمة بالذات يتطلبها المعنى ويقتضى المجيء بها.وليس كل ماذكره علماء البديع بألوان جمال تستحق أن تذكر بين المحسنات وذلك يتطلب معاودة النظر في دراسة هذه الألوان لاستيفاء الجميل وحذف مالا غناء فيه.
وتنقسم المحسنات البديعية إلى قسمين :
1ـ محسنات بديعية لفظية .
2ـ محسنات بديعية معنوية .
أولا: المحسنات البديعية اللفظية : وهي ما يكون مرد الحسن فيها إلى اللفظ، ولهذا فمدار هذا النوع على الأصوات وتناسقها مما يزيد الكلام لطافة وحسنا وقبولا، ومن أهم صور هذا النوع ما يأتي :
1ـ الجناس :
وهو تشابه اللفظين في النطق واختلافهما في المعنى ولا يشترط في الجناس تشابه جميع الحروف بل يكفي من التشابه ماتعرف به المجانسة .
والجناس نوعان : الأول الجناس التام ويكون باتفاق اللفظين في الحروف في أربعة أشياء : النوع الحروف والعدد والترتيب والتشكيل .
قال تعالى : (ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة )
وقال تعالى "( يكاد سنا برقة يذهب بالأبصار يقلب الله الليل والنهار أن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار )
وقال الشاعر :
فدارهم ما دمت في دارهم وأرضهم ما دمت في أرضهم
(دارهم ) الأولى فعل أمر ، و(دارهم ) الثانية قصد بها الدار .
و(أرضهم ) الأولى فعل أمر والثانية قصد بها المحل والأرض .
ومثل قول الشاعر: قصور شعرك ما بهن قصور
فقصورالأولى أبيات الشعر، والثانية المقصود بها النقص.
الثاني: الجناس غير التام أو الناقص، ويكون هذا الجناس باختلاف اللفظين في واحد من الأمور الأربعة السابقة.
أ‌- اختلاف النوع: قال صلى الله عليه وسلم: (الخيل معقود في نواصيها الخير ) فهنا تغير النوع في (الخيل) و (الخير)، ومثله قوله تعالى : ( ويل لكل همزة لمزة )، وقال تعالى: ( فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر )، وقال تعالى: (وهم ينهون عنه وينأون عنه )، وقال تعالى: ( ذلكم بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تمرحون )، وقال تعالى: ( وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به )
ب‌- اختلاف عدد الحروف مثل قوله تعالى: ( والتفت الساق بالساق إلى ربك يومئذ المساق)، كقول أبي تمام
يمدون من أيد عواص عواصم تصول بأسياف قواض قواضب
ت‌- اختلاف الحركة والتشكيل مثل قوله تعالى:( ولقد أرسلنا فيهم منذِرين فانظر كيف كان عاقبة المنذَرين)، وقوله r( اللهم حسن خلقي كما حسنت خلقي )، وقولهم:جبة البُرد جُنة البَرد
ث‌- اختلاف الترتيب: مثل قول الشاعر:
حسامك فيه للأحباب فتح ورمحك فيه للأعداء حتف
2ـ السجع:
وهو توافق الفاصلتين من النثر على حرف واحد ، كقولهم : من طابت سريرته حسنت سيرته، وفي القرآن يعبر بالفواصل بدلا من السجع تأدبا مع القرآن، كقوله تعالى: ( ما لكم لا ترجون لله وقاراً، وقد خلقكم أطواراً )، وقوله تعالى: ( إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم ).