الأحد، 12 أكتوبر 2008

المجاز- في القرآن، أنواعه

ثانيا:المجاز
المجاز في اللغة : مأخوذ من المجاوزة وهي التعدي والتخطي .
وفي الاصطلاح، هو: استعمال اللفظ في غبر ما وضع له لقرينة مانعة من إرادة المعنى الأصلي، فإذا قلنا مثلا : رأيت أسداً في الغابة فهذا استعمال حقيقي ؛ لأن كلمة الأسد تدل في هذه الجملة على الحيوان المعروف ، وهذا ما يدل عليه أصل اللغة ولكن لو قلنا : رأيت اليوم أسداً يخطُب ، هنا يكون استعمال كلمة أسد مجازيا ، لأننا نقلنا الكلمة من معناها الأصلي وهو الحيوان المفترس وتجاوزنا بها دلالتها الوضعية وجعلناها للإنسان ، ولما كان هذا المعنى هو غير المعنى الأصلي كان لا بد من قرينة تعرفنا المعنى المقصود ، وتمنع من إرادة المعنى الأصلي ، وتتجلى في مثالنا هذا في كلمة ( يخطُب ) .
وهذا النوع من المجاز يسمى المجاز اللغوي لأن مرده إلى اللغة ، وفي المثال المذكور نجد أن العلاقة بين الكلمة المنقولة ( أسد ) وبين المعنى المراد وهو ( الرجل الشجاع ) هي المشابهة وهذا ما يسمى بالاستعارة ، ولكن لو قلنا : لمحمد علي يد ، لكان استعمال كلمة ( يد ) مجازيا ، لأن المراد بها هنا النعمة والفضل ، لكننا نتساءل عن العلاقة بين الكلمة المذكورة وهي ( يد ) وبين المعنى المراد وهو ( المعروف )، فنجد هنا أن العلاقة هي غير المشابهة لأن العلاقة التي تربط اليد بالمعروف أنها سببه ، وما كانت فيه العلاقة غير المشابهة يسمى مجازا مرسلا .
وأما إذا قلنا بني الأمير المدينة ، فإننا نجد أن إسناد الفعل ( البناء ) إلى الأمير لم يجر على الحقيقة ؛ لأن الحقيقة أن البنائين هم الذين بنوا ، وأما الأمير فقد أمر بذلك، وعلى هذا فالكلام مجاز لكنه يختلف عما سبق في أن كلمة (بنى ) وحدها حقيقة ، وكذلك كلمة ( الأمير ) لكن لما أسند البناء إلى الأمير ظهر المجاز .
لهذا فالمجاز هنا في ( الإسناد ) والدليل عليه العقل ولهذا نسميه مجازا إسناديا أو عقليا ، ولو تأملنا هذا النوع لوجدنا أنه ليس فيه نقل للكلمة من معناها الأصلي إلى معنى جديد ، لهذا لم نسمه مجازا لغويا، ونصل من هذا كله إلى أن المجاز نوعان :

المجــــــاز



عقلي لغوي
( والتجوز فيه في الإسناد لذا يسمى إسناديا)
استعارة مجاز مرسل
( إذا كانت العلاقة المشابهة ) ( إذا كانت العلاقة غير المشابهة )


القرآن والمجاز

هذا الموضوع له حساسيته ، لمون بعض الفرق، سخرت القول بالمجاز، لتعطيل أسماء الله وصفاته من معانيها، وتأويل آيات الكتاب العظيم، وصرفها عن معانيها، وقد تعدد الأقوال في هذا الشأن على ثلاثة أقوال :
1- قول المجيزين , فهناك من أطلق القول في المجاز فوسع مجاله حتى أنكر عن طريقه صفات الخالق سبحانه؛ فأدخله فيما ليس له فيه مجال وليس عنده فيه دليل يصلح قرينه لما يقول .
2- قول المانعين؛ وهناك من منع المجاز بالكلية فقال لا مجاز في اللغة ولا في القران, وبعضهم قال : بل هو في اللغة دون القرآن وهذا التفريق لا يستقيم، لأن القران نزل بلغة العرب, وإنما فعلوا ذلك احتياطا من تأويل الصفات و تعطيلها , ردا على أصحاب القول السابق.
3- قول المعتدلين , وهم القائلون بوجود المجاز على أنه أسلوب عربي في القران واللغة وهو القول الصحيح فالمجاز موجود في اللغة و القرآن لكن يجب أن نفرق بين ما لعقولنا مجال فيه، وما ليس لها مجال فيه , فإذا كان الكلام بين البشر فيظهر فيه المجاز كأن يقول أحدهم لصاحبه (لم يطاوعني قلمي على الكتابة), فلا شك أن هذا مجاز , والعقل يدل على ذلك وهو من مجالاته لكن في كلام الله وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم , وهو (الوحي ) فلا يحق للعقل أن يتدخل في رفض مراد الله بحجة أنه لا يعقل , فقد قال سبحانه عن السماء والأرض ( فقال لها وللأرض اتيا طوعاً أو كرها قالتا أتينا طائعين ) فنسب القول إلى السماء والأرض , فلا ينبغي هنا أن ننكر كلام الأرض والسماء مع الله سبحانه بحجة أننا لم نسمع ذلك أو لأنه يستحيل عقلاً, لأن عقولنا تقصر عن ذلك , فالخطاب هنا بين الخالق والمخلوق وهذا لا مجال للعقل فيه لأن الله تعالى قال):وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم) إن المخلوقات والجمادات وكل الأحياء تعبد الله ونحن لا ندرك من ذلك شيئا فكيف بعد هذا نقول لا يُعقل.
تعال لنتأمل هذه الآيات:
قال تعالى:(فهو في عيشة راضية)، قالوا في المراد عيشة (مرضية) فعبر باسم الفاعل وأريد اسم المفعول، على سبيل المجاز، فالعلاقة المفعولية وإنما قيل راضية للتدليل على عظم تلك العيشة التي بلغ من عظم نعيمها أنما هي ترضى فكيف بمن يعيش فيها وإنني أقول (ولا مانع من أن تكون هذه اللفظة على الحقيقية لأن الكلام عما في الآخرة وليس هناك سبيل لمعرفة حقيقية ذلك إلا النقل، وليس ذلك بعظيم على الله أن يجعل العيشة ترضى هي, وهذا أعظم في النعيم، خصوصا إذا علمنا أن الطعام إذا اشتهاه المؤمن يوم القيامة تدلى له وهو في مكانة فالآخرة فيها ما ليس في الدنيا مما يعرف الناس ويعقلون.
وقال تعالى :( فلينظر الإنسان مم خلق , خلق من ماء دافق )، قالوا أي (مدفوق) لأن الذي يدفق ذلك الماء هو الإنسان , فهو مجاز علاقته مفعولية, ولكن ليس هناك ما يمنع أن تكون الكلمة على حقيقتها , وهذا من ألوان الإعجاز القرآني , لأنه ثبت مجهريا بالنظر أن الدفقة التي تخرج من الرجل حاملة ملايين الحيوانات المنوية تتحرك بذاتها لأنها كائنات حية وتستمر في التسابق إلى الرحم فهي في الحقيقة تدفع نفسها لا الرجل يدفعها، و هذا أمر لم يعلم إلا في الأزمنة المتأخرة وهذا يدلنا على أن كلمات القران يجب أن تكون على ظاهرها حتى ولو قيل فيها بالمعنى المجازي أصلا فيجب ألا تقصر عليه.
وقال تعالى (وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لايؤمنون بالآخرة حجاباً مستورا)، قالوا أي: (ساترا) , فهو مجاز عقلي مثل الشواهد السابقة وعلاقته الفاعلية، ولكن هذا لا يمنع أن تكون الكلمة على حقيقتها؛ لأن الحجاب الذي بين المؤمن قارئ القران وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة لا يرى بالعين فهو مستور عن الناس, ومع هذا يمنع الله به الضرر فهو أعظم دلالة على قدرة الله.
وبهذا يثبت أن ما قاله الله أو ما قاله الرسول صلى الله عليه مسلم يجب أن يجري على حقيقته, ولا ندخله في باب المجاز, لعدم الدليل المانع من المعنى الحقيقي, تأمل قوله تعالى عن النار{سمعوا لها شهيقاً وهي تفور تكاد تميز من الغيظ}, فقد ذكر البلاغيون أن نسبة الشهيق والتميز إلى النار مجاز, لأن الشهيق من صفات الأحياء والنار بزعمهم لا حياة فيها, وهذا زعم باطل لعدم الدليل على ذلك, فالنار من علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله والصحيح أنها حقيقة والنار فيها حياة بدليل قوله صلى الله عليه وسلم:(يخرج من النار عنق له عينان يبصر بهما ولسان ينطق به), إذا فما ينسب إلى النار ينبغي أن يجرى على ظاهره.
ومثل هذا كل صفات الله فإنه لا دخل للعقل في الحكم عليها بل يجب أن نثبتها كما ذكرها الله فإذا وصف الله نفسه سبحانه بالمجيء فنثبت المجيء له على ما يليق بجلاله وعظمته كما قال تعالى:(وجاء ربك والملك صفا صفا) ولا نقول المراد: جاء أمرك ربك كذلك صفة اليد والعين و الغضب كلها نثبتها لله لأنه وصف نفسه بها سبحانه على الوجه اللائق به جلت قدرته.