الاثنين، 13 أكتوبر 2008

البديع (المحسنات المعنوية) وتطبيقات

ثانياً: المحسنات البديعية المعنوية
1- الطباق:
وهو الجمع بين الشيء وضده في كلام واحد، ومن أمثلته في القرآن الكريم: الليل والنهار، الأول والآخر ، وقد ورد لفظ «الليل» في القرآن حوالي مائة مرة، وذُكر في جل المواطن مقابلاً «للنهار»، أو أحد أجزائه مثل: «الضحى» و «الإصباح» و «الفجر» إلا نادراً.
وحسن الطباق مرده إلى قدرة التضاد في تمييز المعنى، لذا قيل والضد يظهر حسنه الضده .
2- التورية:
وهي أن يكون للّفظ معنيان: قريب وبعيد، فيذكره المتكلّم ويريد به المعنى البعيد، الذي هو خلاف الظاهر، ويأتي بقرينة ، توهم السامع أن المتكلم أراد المعنى القريب، كقول الشاعر:
أبيات شعرك كالقصور ولا قصور بها يعوق ومن العجائب لفظها حرّ ومعناها رقيق
فللرقيق معنيان: قريب وهو المملوك، وبعيد: وهو من الرقة، والشاعر أراد الثاني، لكن الظاهر من مقابلته للحرّ إرادة المملوك
وقد استعملها أبو بكر الصديق أثناء خروجه مع الرسول عليه الصلاة والسلام في الهجرة, وتعقبهم أهل مكة للقبض عليهما , وسأله أحدهم: من هذا الذي معك؟, وكان يعرف أبابكر ولا يعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رضي الله عنه:هاد يهديني السبيل, ففهم الرجل أنه يقصد دليلا يدله الطريق, وأبوبكر قصد أنه هاد يهديه الإسلام.
والتورية تجوز بشرطين، الأول : أن يكون اللفظ محتملاً لها، والثاني : ألا تكون ظلماً ، فلو قال رجل : أنا لا أنام إلا على وتد، والوتد عود يوضع في الجدار ويعلق عليه المتاع ، وقال الرجل : أنا أريد بالوتد الجبل ، فهذه تورية صحيحة ، لأن اللفظ يحتملها وليس فيها ظلمٌ لأحد .
وكذلك لو أن رجلاً قال : والله لا أنام إلا تحت السقف ، ثم نام فوق السقف وقال : أردت بالسقف السماء. فهذا صحيح ، فقد سميت السماء سقفاً في قوله سبحانه : ( وجعلنا السماء سقفاً محفوظاً( الأنبياء ،32) .
أما لو استخدمت التورية للظلم فلا تجوز ، كمن أخذ حقاً من إنسان ثم ذهب إلى القاضي ، ولم تكن للمظلوم بيّنة فطلب القاضي من آخذ الحق أن يحلف أن ليس له عندك شيء ، فحلف وقال : والله ما له عندي شيء ، فحكم له القاضي، وقال: أنا ما أردت النفي ، وإنما أردت الإثبات، ونيتي في كلمة "ما له" أن (ما) اسم موصول أي : والله الذي له عندي شيء ، فهذا وإن كان اللفظ يحتمله إلا أنه ظلم فلا يجوز .
وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سأله، بعض العرب في غزوة ما، ولم يتعرفوا من هو، وأرادوا أن يعرفوا شـخصيـته، قالوا: (ممن القوم؟ فقال عليه الصلاة والسلام: من ماء)، ويقصد بذلك الماء الذي خلق منه الإنسان، وظن القوم أنهم من موقع يسمى ماء.
ومن هذا قوله صلى الله عليه وسلم للمرأة: (زوجك الذي في عينه بياض) فقد فهمت المرأة أن البياض هو العمى، لذا قالت لا، وفي الحقيقة أن كل واحد منا في عينه بياض وسواد.
3- الأسلوب الحكيم:
وهو تلقي المخاطب بغير ما يترقب، بحمل كلامه على غير مراده ، وتلقي السائل بغير ما يتطلب بتنزيل سؤاله منزلة غيره .
فمن الأول وهو تلقي المخاطب غير ما يترقب، ماذكر من توعــّـــد الحجاج يوما للقبعثري وهو من الخوارج فقال له : ( لأحملنــَّـك على الأدهم ) ،ويقصد الحجاج بالأدهم هنا القيد ,فهو يهدده بالقيد والحبس، فقال الخارجي: مثلك يحملُ على الأدهم والأشهب،ويقصد الخارجي بالأدهم هنا الجواد الأسود ويقصد بالأشهب الجواد الذي اختلط سواده بلون آخر، يقصد بهما الهدية أو أن يحمله في سبيل الله ، فقال الحجاج : ويلك إنه حديد ، فقال الرجل ( لأن يكون حديدا خير من أن يكون بليدا ) قاصدا بلفظة ( حديدا ) هنا معنى ( ماهرا وصلبا ، فأعجب الحجاج ببيانه وعفا عنه.
وكقول الشاعر:
قـلت: ثقلتُ إذ أتيتُ مـراراً قـال: ثقّلتَ كـاهلي بالأيادي
قلت: طوّلتُ، قال أَوليتَ طَوْلاً قلت: أبرمْتُ، قال: حبل وداديومن النوع الثاني، وهو تلقي السائل بغير ما يتطلب ، تنبيها على أن هذا هو الأولى بأن يسأل عنه، كقوله تعالى: (يسألونك عن الأهلّة قل هي مواقيت للناس والحجّ)
(27) فإنهم لّما لم يكونوا يدركون سبب اختلاف أشكال الهلال، اجيبوا بما ينبغي السؤال عنه، وهو فائدة اختلاف الأهلّة.

صور من البديع في القرآن
ما ورد في القرآن مما نعده محسنات بديعية فقد وردت الألفاظ التي كان بها الحسن البديعى في مكانها، يتطلبها المعنى ولا يغنى غيرها عنها.
انظر إلى قوله تعالى{ وهم ينهون عنه وينأون عنه، وان يهلكون إلا أنفسهم وما يشعرون}.
ألا ترى أن موقف الكفار من القرآن أنهم يبعدون الناس عنه، كما يبعدون أنفسهم عنه، فعبّر القرآن عن ذلك بكلمتين متقاربتين في الأصوات (ينهون، ينأون) ليشعر قربهما بقرب معنيهما، فالنهي والنأي عملان يدلان على كرههم لهذا الحق، وقد افترقت الكلمتان في الهاء، والهمزة، ولما كان النهي يعني صرف غيرهم عن القرآن، جاءت معه (الها) التي تأتي للتنبيه، وتكثر في مواطن النهي مثل : صه ، مه، وأما في ابتعادهم هم عنه فجاءت الهمزة القريبة من النفس، وهي أدل الأصوات على الذات.
ومن هذا قوله تعالى{ فأما اليتيم فلا تقهر و أّما السائل فلا تنهر]في كلمة (تقهر ، وتنهر) تصوير صوتي جميل ، فتقهر فيها (قاف) ، وتنهر فيها (نون) والقاف صوت قوي فيه من صفات القوة ، الجهر ، والشدة ، والاستعلاء والقلقلة ، وهذا يصور لنا ما في كلمة القهر من العلو والغلبة والشدة والأذى ، بينما نجد (النون) يعد صوتاً لطيفاً ، ليس فيه من صفات القوة لا الجهر ، وبقية صفاته ضعيفة : الرخاوة ، الاستقبال والانفتاح ، أو الغنة ، لذا كان النهر ألطف من هذا الوجه من القهر وما يشترك فيه مع القهر من الأذى والألم النفسي هو من بقية الأصوات (البناء) المصورة للمباشرة في الخطاب وما فيه من الجرح إذا كان على سبيل المثال القدح والأذى ، والهاء المصورة لخروج الهواء واندفاعه نحو المخاطب والراء بما فيها من دلالة الطرق والتكرار ، كما يصور عمق الأذى عندما يتكرر هذا الفعل مع الصنفين المذكورين .
وقد يكون في مخرج (القاف) الذي هو من أقصى اللسان ، ما يصور عن الأذى لليتيم ، وأما مخرج النون فهو من خروج اللسان مما يدل على أن أذى السائل أهون من أذى اليتيم وان أداة خارجي باللسان والكلام في ما ذلك لذا قدم اليتيم في رعاية الحق اليتيم ، عندما يتعرض لموقف إذلال وغلبه ، فيقف ريقه في حلقه ، في مخرج القاف تماماً فسبحان من هذا كلامه .

قال تعالى: {وأنه هو أضحك و أبكى وأنه هو أمات وأحيا}، فتأمل هذا الطباق العجيب، بسبب تضاد كلمتي: (أضحك، وأبكى) و(أمات وأحيا)، هذا التضاد الذي صور القدرة الإلهية، في التصرف بالكون والإنسان، بعلم وحكمة، وقدرة وعظمة.

وقال سبحانه {وتحسبهم أيقاظا وهم رقود}، نجد هنا طباقا بين كلمتي(أيقاظ و رقود)، وقد صور هذا الطباق شدة اشتباه الرائي لهؤلاء الفتية، أمتيقظون هم أم نيام؟ وهذا يعني أنهم جمعوا بين صفات الأيقاظ وذلك بحركتهم وتقبلهم، وبين صفات الرقود بتغميض أعينهم واضطجاعهم، ولكن تقديم يقظتهم وأنها هي التي تتبادر إلى ذهن الرائي يدل على حقيقتهم هي النوم بدليل، وهم رقود، ولا يمكن أن تظهر كل هذه المعاني دون الجمع بين المتضادين (اليقظة، والرقود).





تدريبات
حاول استخراج صور البديع من الشواهد الآتية، مع بيان سر ما تذكر.
· قال تعالى{ ويل لكل همزة لمزة}.
· قال تعالى {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ}الرعد16
· قال تعالى{ذلكم بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تمرحون}.
· قال تعالى{ وجئتك من سبا بنبأ يقين} .
· قال تعالى{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ}الزمر9
· قال صلى الله عليه وسلم: "المؤمنون هينون لينون".
· قال أبو العلاء:
والحسن يظهر في بيتين رونقه بيت من الشِّعر أو بيت من الشَّعر